في إطار أنشطتها الثقافية المنتظمة تعقد جمعية الفكر التشكيلي منتداها الخامس بعنوان الكتابة والتشكيل الذي ينجزه الشاعر والروائي والناقد الأدبي الأستاذ حسن نجمي وذلك بالقاعة الوطنية باب الرواح يوم 26 أبريل 2012 على الساعة06
والمنتدى المذكور ينطلق من الأرضية التالية التي كتبها محمد الشيكر*:
ما العلاقة بين الكتابة والتشكيل؟ هل هي علاقة مرآوية تقوم على التوازي والتقابل أم على التجاور والتصادي؟ وهل هي علاقة استيحاء واستلهام أم هي علاقة تراتبية تقوم على التفاضل؟ وما الذي يصل الكاتب – الشاعر والناثر على حد سواء – بالتشكيلي؟ هل يستوي بينهما أفق رمزي وأنطولوجي مشترك؟ وهل هما نمطان وجوديان لذات التجربة الإستتيقية، في بحثهما عن المعنى وفي سعيهما لاستكشاف قارة الجمال بسائر تنويعاتها وتلويناتها؟
إن السؤال حول الواشجة السرية القائمة بين التشكيل والكتابة الأدبية، وبين لغتيهما وعالميهما الهيرمينوطيقيين، هو سؤال أثيل ضارب في أعماق التاريخ الجمالي والفلسفي الإنساني. وقد تمت مساءلة هذه الواشجة الإشكالية بصور مختلفة، وتمت مقاربة حدودها وأبعادها من منظورات ومنظومات مرجعية متباينة. وفي هذا السياق اعتبر بلوتارخوس وسيمونيد أن الكتابة تصوير والتصوير كتابة وأن التصوير هو شعر صامت، في حين أن الشعر هو تصوير ناطق، وبالتالي فالرسام التشكيلي هو شاعر الألوان والأشكال والمساحات التي تضج بالضوء، في حين أن الشاعر هو فنان يرسم بالكلمات وينشئ عوالمه ودواله في مختبر اللغة وعبر كيمياء الكلمة. بل إن الكتابة لم تكن تعي ذاتها كإكفراسيس أو كتصوير بالكلمات إلا في حضرة التشكيل كما أن التشكيل لم يكن يستطيع تمثل ذاته ككتابة باللون إلا في حضرة الكتابة . وظل كل منهما يعتبر الآخر صنوا، أو أنا آخر، ومعادلا مضاعفا، أو كيانا مرآويا، يتعرف من خلاله على ذاته ويسائل عبره حدود وأبعاد تجربته الإبداعية. وهذا التصادي العميق والخلاق بين الكتابة والتشكيل جعل كتابا وشعراء كبارا من عيار بودلير وفاليري وبروست وإلوار وروني شار وسواهم يبلورون تجاربهم الجمالية الفائقة على محك سؤال التشكيل، كما جعل - وبنفس القدر- رسامين معروفين لا ينكفون بذواتهم عن مساءلة منجزهم التشكيلي في محضر الشعر، وفي مختبرات الكتابة إجمالا.
وفي اهتمامه بهذا التصادي الآسر بين الكتابة والتشكيل، يعلن الشاعر حسن نجمي انتسابه إلى تلك السلالة المتميزة من الشعراء والكتاب والرسامين. ولعل "رياحه البنية" تشكل بروتوكول الانتماء الرسمي إلى تلك السلالة. ومحاضرته، اليوم، ما هي إلا حلقة من حلقات ذلك البروتوكول التدشيني. ويمكن اعتبارها من جهة أخرى حاشية على روايته المتميزة "جرترود" وتنويعا على سؤالها التشكيلي واستئنافا له بوسائط ووسائل مغايرة.
إن محاضرة حسن نجمي الشاعر والروائي المبدع، تنخرط في ذلك الأفق الجمالي البهي الذي دشنته بحذق ومهارة رواية "جرترود" إلا أنها، وبلا ريب، ستقود الحضور الكريم إلى مساقات غير مطروقة وإلى منحنيات جمالية ودلالية مليئة بالسر وبلذة الكشف وسؤال التجريب.